ولد محمد بقصر السوق عام المسيرة الخضراء.
عاش حياة الواحة بقصورها وقصباتها وأهلها الطيبين المحافظين، وكانت عائلته فقيرة، وكان والده وإخوته الستة يشتغلون في الفلاحة عند أصحاب صاحب ضيعة مقابل خمس الإنتاج.
التحق محمد بالمدرسة وكان مجدا ومجتهدا في دراسته، غير أنه لم يكن يحب أعمال الفلاحة .
حاز محمد على الباكلوريا والتحق بجامعة ظهر المهراز بفاس وتسجل بكلية الشريعة، وبالعاصمة العلمية قضى أربع سنوات من الدراسة والشعب النضالي، إذ انتمى الى الرفاق وتبنى الماركسية مذهبا سياسيا واقتصاديا والإسلام عقيدة.
كان محمد قويا في مناقشاته لحلقات الطلبة لأنه كان مطلعا جيدا على كلاسيكيات الفكر الماركسي وفي نفس الوقت وبحكم تخصصه يعرف عن الشريعة والدين ما لا يعرفه خصومه الأصوليون.
تخرج محمد من الجامعة سنة 1998 والتحق بمهنة خطة العدالة ( لعدول ) واشتغل عدلا بمدينة الدار البيضاء، وبعد عامين أصبح له مكتبا فخما ومساعدين وعدول تحت امرته.
استمر العدل محمد مناضلا في عدد من جمعيات المجتمع المدني ناشرا للفكر التقدمي ومدافعا عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وأصبح الرجل ينتمي الى النخبة إن اجتماعيا أو ثقافيا ومع ذلك احتفظ بانتمائه للمعارضة.
العدل محمد أصبح خطيب جمعة ومحدثا في المساجد وكانت حلقات حديثه تحظى بإقبال منقطع النظير خصوصا من طرف النخب.
كان محمد يناديه الجميع بالفقيه محمد وانتمى للزاوية الصوفية البوحشيشية.
ورغم ما حققه محمد من وضع اجتماعي وعلمي مرموق ظلت علاقته بالأنثى على حالها كما كانت أيام الجامعة وكانت عشيقته هداية تفضل أن يكون موعد لقائهما مع بداية الليل بحي الحبوس بمكان خال من المارة حيث أنها بمجرد ما تركب السيارة رباعية الدفع تندفع باتجاه الفقيه معانقة إياه ولا تتركه إلا وقد اقتنصت منه قبلات حارة كان يسميها قبل إزالة تعب اليوم، بعد التقبيل تتجه السيارة الى حي العنب وهناك يحلو السهر ويحلو شرب النبيذ الأحمر .
هداية عاطلة عن العمل وتحب اللهو والسهر و(الكاس) على حد تعبير المغاربة.
التقى الفقيه محمد بهداية ذات جلسة خمرية مع أصدقائه في حانة سنتير وأعجب بها وبثقافتها وبإنجليزيتها الأنيقة ، ومن يومها لم يعد يستطيع الابتعاد عنها نظرا لسحرها ومواهبها وأراد أن يتزوجها إلا أن عائلته هددوه بمقاطعته إن هو فعل نظرا لما عرفوه فيما بعد عن والدتها سيئة السمعة التي تقيم بتركيا وتزور المغرب بين الفينة والأخرى.
مرت ثمانية أشهر على علاقة الفقيه بالفاتنة هداية فانجبت طفلة أسماها محمد باسم ٱية، ولما رفضت عائلته الزواج من أم ٱية اكترى لها شقة بحي الجواهر ووثقا عقد الزواج وأبقوا زواجهما سريا عن العائلة.
مرت بضعة شهور فجاء رجل يطالب بإبنته ٱية ويقول أن هداية زوجته على كتاب الله وسنة رسوله بمقتضى زواج عرفي جمعهما بالمدينة المجاورة الى أن اختفت عن أنظاره، وبقى يسأل عنها الى أن إهتدى الى مدينتها ومكان سكناها الجديد.
الرجل الذي ادعى أنه هو أبو ٱية، كان رجلا أنيقا وعلامات النعمة بادية عليه ولم يكن يبدي أي تعاطف أو حب.مع الطفلة ٱية.
محمد أصيب بصدمة بسبب ملابسات قصة زواج زوجته من رجل ٱخر فضربها، وتشابك بالأيدي مع زوج زوجته ولولا تدخل سكان العمارة بحي الجواهر لوقع ما لا تحمد عقباه.
ورغم أن لفقيه محمد شك بزوجته هداية إثر حملها المبكر معه غير أنها أقسمت له بأغلظ الإيمان أن الجنين الذي ببطنها من صلبه.
اجتمع الثلاثة واعترفت هداية بعلاقتها السابقة بالرجل الملتحي، وأتفق زوجا هداية أن يخضعا ٱية للفحص الجيني كي يعرفا ابنة من هي كما تفقا أيضا أن هداية ستبقى زوجة لمن انتسبت له ٱية.
في صباح اليوم الذي سيستلمون فيه نتيجة التحليل الجيني وكان موعدهم أن يلتقوا على الساعة الحادية عشرة ونصف أمام مختبر التحليلات الطبية لم يظهر أثر لهداية.
اتضح من نتيجة التحليل المخبري لدم ٱية أنها لا تجمعها أية علاقة أبوية لا بمحمد ولا بالرجل الملتحي.
وقف الإثنان مندهشان ومشككان بنتيجة المختبر وكانت الساعة تشير الى منتصف النهار وإذا برنة وصول رسالة إلى هاتفيهما تقطع حديثهما، قرأ كل رسالته ورفع رأسه ينظر الى الٱخر.
قرأ الفقيه رسالته على الرجل الملتحي فسمع الأخير ما يلي :
محمد، أنا بمدينة البوغاز مع زوجي الخليجي أبو ٱية جاء ليرى ابنته ولأخذنا معا، عليك ان تطلقني حالا وإلا ندمت على اليوم الذي ولدتك فيه أمك، كانت أخبار زوجي قد انقطعت عني بسبب مرض السرطان الذي أصيب به قبل أن يعالج ولذلك كنت مضطرة لتسجيل ابنتي باسمك، لقد أخبرته بعقد الزواج الذي بيني وبينك وهو يأمرك بتطليقي دون مناقشة او تأخر .
بعد قراءة الرسالة، ترك محمد الرجل الملتحي وأدار محرك السيارة وانطلق مسرعا قاصدا مدينة البوغاز.
لما وصل لفقيه محمد مدينة البحرين ظل ليومين وهو يبحث عن هداية، وفي صباح اليوم الثالث وبينما هو واقف بجوار سور المعگازين حائرا يتفحص المارة ويدخن سيجارة من نوع المارلبورو وكان لم يتناول وجبة الفطور بعد وإذا بسيدة أنيقة الملبس، جميلة المظهر تمر من أمامه دون أن تنتبه إليه.
ناداها : فاطمة..فاطمة..
التفتت فاطمة فرمقته ثم عادت مسرعة وعانقته.
ذهب الإثنان الى مقهى محمد شكري وهناك أخذا فطورهما، ودار بينهما حديث طويل عريض بينهما استعادا فيه ذكريات الجامعة واسترجعا بحنين حبهما الجميل وزواجهما الذي لم يتم بسبب رفض العائلة الفاسية أن تزوج ابنتها لطالب صحراوي فقير.
توقف محمد عن البحث عن زوجته هداية، وعاد بفاطمة الى حي العنب بالدار البيضاء.
بعد أسابيع حكم القاضي بطلاقه من هداية وتزوج فاطمة وانجب منها طفلا وطفلة كلاهما على جمال وأخلاق واجتهاد، وعاشت فاطمة ومحمد عيشة سعادة على هدى من الله، وعم الإنسجام عائلتي الزوجين.
*القصة للكاتب د. محمد شخمان*
_ملحوظة_ :
*القصة* من نسج الخيال و وجود أماكن حقيقية لا يعني أن الأحداث حقيقية، والصورة أيضا افتراضية.